مقدمة
جاءت الحاجة للعملات الرقمية سعيًا وراء نظام لا مركزي يمنع من تفرد جهة واحدة في سلطة النظام المالي من تنفيذ وتبادل المعاملات المالية الرقمية، لذا فإن الفكرة الرئيسية التي تقوم عليها العملات الرقمية هي نشأتها في ظل نظام لا مركزي ولا توجد جهة واحدة تتحكم فيها؛ ولكن هل هذا يعني أن النظام المالي للعملات الرقمية عشوائي وليست له قواعد وقوانين تحكمه وتسير العمل فيه وفق آلية تمنع السيطرة والهيمنة والعشوائية أيضًا؟ وإن كان هناك نظام فمن يتحكم فيه ومن يفرض هذه القوانين؟ وهل وجود نظام يتعارض مع فكرة اللامركزية التي بُنيت على أساسها العملات الرقمية؟
بداية لنتطرق للحديث بالتفصيل عن هذه النقاط..
النظام المالي للعملات الرقمية يتكون من كيانات معينة وهي:
أولًا: المستثمرين أو المستخدمين- Users
الذين يقومون بالاستثمار في سوق العملات الرقمية بأنواعها، وينقسموا إلى نوعين وهما:
- الأسماك الصغيرة- Small Fishes
يقصد بالسمكة الصغيرة اللاعب الصغير في سوق العملات الرقمية وهو عبارة عن مستثمر يملك عدد محدود من العملات الرقمية ولا يمكنه التأثير في سوق العملات الرقمية، بينما لو تجمعت الأسماك الصغيرة واتفقت على تغيير ما قد تتمكن من إحداث تغيير في سوق العملة الرقمية.
- الحيتان- Whales
الحيتان هم اللاعبين المؤثرين الأقوياء والقادرين على تحريك سوق العملات الرقمية، لديهم استثمارات كبيرة جدًا تصل إلى مئات ملايين الدولارات، ويعملون كأفراد أو مجموعات، لديهم القدرة على توجيه سوق العملات الرقمية مثلًا إذا اعتقدوا أن عملة معينة لها فرص استثمارية أكبر فإن السوق يتوجه باتجاه الاستثمار في هذه العملة بشكل أكبر.
ثانيًا: المنشئين أو المطورين- Creators
المنشئين يقصد بهم مطوري العملات الرقمية وهم مسئولين عن أساس خوارزمية البلوكتشين أو سلسلة الكتل التي تقوم علهيا العملة الرقمية، يوجد حاليًا حوالي 1400 عملة رقمية تم إنشاؤها وإطلاقها في سوق العملات الرقمية، حيث يمكن لأي جهة او شخص إنشاء عملة رقمية، ووراء كل عملة طاقم من المطورين لهذه العملة، هذه الحرية تؤدي إلى وجود عملات رقمية غير مفيدة.
ثالثًا: الحكومة – Government
تعتبر اللوائح والقواعد الحكومية من أهم العوامل المؤثرة في سوق العملات الرقمية، وعلى عكس سوق العملات الورقية فإن المستثمرين يعتمدون على التخمين وليس الحقائق في التداول في سوق العملات الرقمية، ولهذا الأخبار المتناقلة تؤثر بشكل كبير على حركة السوق للعملات الورقية انخفاضا أو ارتفاعًا، ولهذا فإن بعض الدول تتخذ بعض الإجراءات من أجل الحفاظ على حقوق مواطنبيها المستثمرين في سوق العملات الرقمية.
رابعًا: المعدنون- Miners
يعتبر المعدنون هم الذين ينفذون العقدات (Nodes) ويتحققون من صحتها ويقومون بتوكيدها على الشبكة.
والآن بشكل عام كيف يعمل نظام العملات الرقمية؟
بداية نظام العملات الرقمية وهو عبارة عن نظام مالي غير مركزي، يعمل وفق سياسة الند للند دون تدخل طرف ثالث لتأكيد المعاملات المالية بحيث يسمح لأي شخص ومن أي مكان إرسال أو استقبال المعاملات المالية.
ويعتمد هذا النظام المالي على كيانات رقمية لقواعد بيانات ضخمة تستقبل هذه المعاملات ويتم تخزينها في سجل معاملات عام ثم الاحتفاظ بها في محافظ رقمية.
ولتأكيد هذه المعاملات واعتمادها يتم استخدام آلية ومنهجية التشفير على درجة من التقنية والبرمجة العالية لتوفير الأمان والسرية.
هذا السجل العام التي تجري عليه المعاملات المالية ويتم تدقيقها واعتمادها يسمى البلوكتشين يتم حديثه وتطويره ومتابعته من قبل مطوري او منشئي العملة الرقمية.
يتم إنشاء وحدات العملات الرقمية عبر عملية تسمي التعدين Mining، يقوم بهذه العملية المعدونون باستخدام أجهزة متخصصة تقوم بإنشاء وحدات العملة الرقمية عن طريق حل معادلات وخوارزميات رياضية معقدة، ويمكن للمستخدمين شراء أو بيع هذه العملات وتداولها أو تبادلها، ومن ثم الاحتفاظ بها في محافظهم الرقمية الخاصة.
إذا ملكت العملات الرقمية، هذا لا يعني امتلاكك أشياء حقيقية ولكن يعطيك الحق في نقل سجل أو وحدة من شخص إلى آخر بدون تداخل طرف ثالث.
لندخل الآن إلى التفاصيل أكثر، كيف يعمل النظام الداخلي للعملات الرقمية؟
ولدراسة ذلك سوف نأخذ أكبر وأشهر العملات الرقمية وهما البيتكوين والإيثيريوم.
من يتحكم في البيتكوين؟
تتوزع سلطة التحكم في شبكة البيتكوين على جميع العقد على الشبكة والتي تتمثل المستخدمين الذي قرروا تشغيل شبكة البيتكوين على أجهزتهم، لذا فالجميع مشارك في اتخاذ القرار على الشبكة.
جميع العقد على شبكة البيتكوين متساوية وتملك نفس القدرة، لذا فإن الذي يتحكم في شبكة البيتكوين هو الأغلبية ففي حال اتفق الأغلبية على قرار ما هو الذي يتم تعميمه وتنفيذه، وفي حال كانت إحدى العقد أو الأقلية معارضة فلهم الحق في الانسحاب إلى شبكات أخرى وهذه ظاهرة تسمى تفرع – انفصال البيتكوين.
يوافق الجميع على اتفاقية آلية عمل شبكة البيتكوين ويعملون وفقها من أجل الحفاظ على شبكة قوية وذات ممارسات سليمة.
وهنا قد يتبادر سؤال من الذي يتحكم في وضع هذه القوانين أو هذه السياسة؟ هل هم المطورون، هل هم أصحاب العقد؟
تقول سياسة شبكة البيتكوين أن أي تغيير أو تبديل في سياسة العمل المستقبلية على الشبكة يجب أن يصوت عليها الجميع، وفي حال حصل على أغلبية الأصوات يتم تعميمه.
ولكن يقول فيلين هاكر- باحث قدم ورقة بحثية في حوكمة العملات الرقمية-:
” أن بعض مقترحات التحسين يتم تمرير حق التصويت فقط على المعدنين، وليس المستخدمون العاديون وهم الذين يملكون فقط العملات الرقمية…”
ولذا هو يعتقد أن هذه السياسة غير دقيقة، ومن حق المستخدمين امتلاك نفس الحق للمستثمرين والمساهمين ذلك لأنه أي تغيير في سلسلة البلوكتشين سوف يؤثر بالتالي عليهم.
وقد ظهرت هذه الحالة فيما يسمى ب Bitcoincash حيث ساعدت تغييرات البلوكتشين من قبل المساهمين الكبار في تحقيق فوائد إلى صالحهم بسبب بعض التغييرات البسيطة.
من يتحكم في الإيثيريوم؟
يتفق الأغلبية أن سياسة الإيثيريوم أكثر ضبطًا من البيتكوين وذلك بسبب المساحة الواسعة من التجربة وتفادي مشاكل البيتكوين التي لاحظها بعض المستخدمين والمطورين وبشكل مبسط نشرح كيف تعمل آلية تغيير البروتوكولات في شبكة الإيثيريوم.
بداية هناك سياسات عادية وآلية تنظيم للعمل متفق عليها من قبل الشبكة ويعمل الجميع وفقها، بينما يحتاج بعض المستخدمين أو المعدنين أو حتى المطورين الرئيسين لأساس شبكة الإيثريوم، إلى الحاجة لإجراء بعض التحسينات التي يعتقدونها.
وهنا تكون السياسة المتبعة كالتالي:
يقوم أي من هؤلاء المستخدمين برفع التحسين المقترح ويتم تسميته بـ مقترح تحسين إيثيريوم ويرمز له ب (EIP)، والصعوبة تبدأ بعد ذلك في وجود الدعم باتجاه تطبيق هذا المقترح، من يتبنوا تنفيذ هذا المقترح يقومون بتقديم وعرض فوائد المقترح من أجل جمع الدعم باتخاذ اتخاذ قرار إيجابي، ويدخل المقترح في دائرة من الأوامر تتمثل في (المسودة ثم العرض ثم النداء الأخير ثم الموافقة، ثم الإغلاق).
بعد ذلك يتم اعتماد المقترح ضمن التحديثات القادمة لنسخة الإيثيريوم، بعض العقود ترفض التحديث على الشبكة وبهذا تنفصل لأنها لا تتوافق الآن مع الشبكة المحدثة وهذا ما يسمى بالانفصال الصعب، والذي يمثل الآثار الجانبية من العمل على شبكة الإيثيريوم.
هذا شرح عام حول آلية عمل العملات الرقمية وطبيعة السياسات المتبعة لأكبر عملتين رقميتين، تابعوا بقية المقالات على المنصة للمزيد من التفاصيل.
المصادر: